بقلم .فضيلة الميموني /تونس.

على مهل الصبر ترتوي لحظات الارتحال، بين حارة أو زقاق وزقاق اخر … في التنقل بين هذه الدروب ألحظ شاخصة هذه الأودية وفلول الجبال المتمادية في شموخ الصدود ..ليس شرطا أن تجلس باكيا وأنت تودع فأناقة الوداع أن تلزم صمتك ، تزرع بسمة ، ترتوي من عيون فيها بحث لصدق ستفتقده حين تغادر ..عظمة اللحظة تلك فريدة . أن تتقبل شاكرا محتسبا أنك مازلت،،،نعم مازلت هنا. وواجب أضحى أكثر مسؤولية عليك أن تتفرد في روايته لأركان الخيال. فحيث تضعك قدماك سجل اللحظة، فجر الصمت فيك لروح لم تؤمن الا بالهروب دائما بحثا للهدوء أو درءا لمشكل قد يقظ فيها تشربها لحظة تجرع ألمها. ليس للألم لمن يفهمه لون واحد، انما الألم يتجزأ، يتشتت فيتعاظم. كلما انشطر انتشر وكلما خمد تراكم واعتلى الوجدان صرحا.. على دفة الرجاء تقلب (فايزة) النظر ، تباعد، فتغمض الجفن وعليه الحنين ينطبق ، تعبر الوديان ، تسير الخيال ليرقب النسيان لما طاف من سهل أو بر . تتطلع لمغامرات الكهوف عن سماع تركن له بين الفينة والأخرى ، تدقق المعلومة لتخط السطور بلا تحريف .. تلك الخالة روت وفي نقل ما سطر التاريخ أبدعت . اوقفت ذهن (فايزة )، لتؤجل عملية حسابية لتوزيع ريع عملها أو استرجاع مكالمة هاتفية توصيها بفحواها أمها أن اشتري البخور واللبان فخالتك الفلانية تريد مثل الذي أتيت به المرة الماضية … يتوارد الرنين بذهنها . يقطعه تصافق فناجين القهوة تحركها الخالة في اتقان النشبع كرما وعطاء احترفت حتى مسكة الفنجان فيه وهي تقول 🙁 … ايه الغالية خلا نتقهوى ونسولف تراني من زمااان ما جلستها ، من خابرتيني وأنا من ساعة اترجى جلسة وشوفة مثل هالشوفة …) تنقطع الذكريات عند اللحظة عن الامتداد ، فتنسحب (فايزة ) لطرف الحصير تجالس الخالة وملء جسدها الممشوق حياء فتقول :(خالتي حدثيني عن أيام زمان ، خالتي انا معلمة صدق لكن أكتب وكل ماأسمعه قلبي يكتبه روحي تهواه ، تركت أهلي لأني أطارد ما سمعت عن البر والمزبون… خالة الهوش هناك يسحرني يأسر كل ذرة في … حدثيني خالتي …) يرفع الشموخ رأسه عند وميض الذكريات بعيون الخالة فتقول وقد لا تحتاج لتنميق الكلام 🙁 الغالية من عزة الله لعمان وكرمه أن جاء فيها رجال من زمااان فرش الأرض برداه وقعد وما تكبر ولا سوى بعمره أنه متعلم وفهيم وعن الناس أخيرهم ، هو قال جيت لوطن وأنا بانيه غير انتو ساعدوني وخلوا ايدينكم في ايدي .. قالها بنيتي وحنا كنا ما نعرف وين شرقنا من غربنا ذاك الزمان .. فينا من ماكان يعرف من الدروب غير ما قالوه وفينا من ما كان يريد غير انه الله ييستر عليه ويموت بين هله .. الغالية ما كان منا حد يقول بكرة عمان تصير وتصير وبداها الله يرضى عليه بفرش حصير على الرملة وجلس يدور بصبعه خطوط فوق الرمل وبباله عمان تصير فوق في القمة … الغالية اول ما سوى هد عندنا حنا الكسوف من نفسنا أول ما كنا امننا، كنا نقول حنا ما نقدر وقال بيوم :…بنبني عمان ، بنعلم العيان بندربهم القرابة والكتابة ولو تحت ظل شجرة، ومشى زمان وحاء زنان وشفنا يلي ما كنا نصدقه وبنتي (ميا ) قدامك ترى دارسة تحت العريشة وماشاء الله تو انبونها معلمة وولادها متعلمين واليوم صايرة المدارس والمستشفيات … زماان كنا بالبيوت نجلس نسوي التمر ونعيش منه ، الهوش والبوش ماكانوا بعيد وكنا حنا نتنقل ونتحوز بيوت خصف النخل وراضيين جاءنا الغالية صالح زمانه وصرنا نطمح أكثر … ايه بنيتي نطمح الفوالة بالبيت والقهوة موجودة والبيوت عمرانة وترى تشوفي حتى السيايير تجي لحد عند الواحد.قدام البيت … ايه بنيتي كلما ماذكرت أذيك الأيام أتعزز أكثر وأشوف عمري عشت . والدنيا وما يجي من الباقي فيها زيادة خير… رحم الله يلي مات و صلح حاميها وتو الواحد مو يقول غير انبوني عشت عمري وما بقى بخاطري شي … ايه …) تسكب هذه الكلمات صمتا يذهب بعيدا بعيدا بالمتخيل لاستذكار ما سلف بقلب( فايزة)… تنسكب فقط دمعة واحدة ، للكبرياء لا تنحدر، فالوجنتين نار من شوق لمزيد ما تريد له استماعا .. تتناول فنجان قهوة من يد امتدت العروق بها خضيرة والوشم/نقش الحناء ينافس الجمال منها . تنظر لهذه اليد الممتدة الى زمن بعيد توثق الوقائع فتستحي أن لا ترفع لها اشارة احترام… تلجأ لتلقف الفنجان عنها ، تأبى الخالة في اباء الكرماء الا أن تناولها اياها بتؤدة وحرفية المضيف الكريم وتبسط أمامها صحن التمر الذي احتوى أنفسه ، ليس صدفة انما الخير هكذا دوما عميم . لا بيت بعمان مااحتوى تمرا وفوالة وقهوة ولا بيتا لم يخصص قسم منه للاستقبال الضيوف ، للمجلس هذا . وهكذا يسمى قصة ألفة لا يمكن لقلم أن يستوفيه حقه . .. تجلس (فايزة ) بعد أن تكرع القهوة في تلذذ المعحب المتيم عشقا مطاردا سحر هذا البر والمزيون، وان كانت تستحي أن ترفع في الخالة عيونها الا لتبسط امتداد البصر على هذه الملابس التى تميز الخالة فتجعلها أيقونة تحلم (فايزة ) أن لا تبعد عنها النظر …في عمان لك أن تغضب بينك وبين نفسك ، وهو أشد العقاب للسنوات الضائعة منك بعيدا عنها . لكن ثورتك تلك الثائرة بعروقك تكسرها رويدا رويدا هبة نسمات الهبوب على لفحه ومتى التقى متشابهان الا وحجب ما سبق ..اغضب ما شئت واركن لنفسك لوما وانطلق بين الفيافي ملتهما شموخ المكان وامتداه… لكنك ستعود لنفسك حامدا شاكرا أنك وجدت هنا … هي شؤون خفية كانت ل(فايزة ) كل الرفقة حيثما توجهت … بعيدا عن أركان زاوية حضور الاماياز هنا… تسافر (فايزة ) الى حيث نقطة الانطلاق ، تعجب من موازنات المقارنة فتجد أنها لن تستطيع لا الاستمرار ولا العودة .. ينفتح لها صهريج البوح بكاء ، تبكي ، تصرخ ملء ما يملأ الجبال الصامتة أصواتا رجع للصدى فتألف نفسها أن كلهم يرددون وجعها. تهدأ فيها حمية الغضب …تركن رويدا رويدا لدفتر الذكريات تكتب … يتبع…….. من مخطوط رواية ( ومرت ببيوت كرام)

اقراء ايضا : الصفح الجميل

This site uses cookies to offer you a better browsing experience. By browsing this website, you agree to our use of cookies.
Verified by MonsterInsights