بقلم. فايل المطاعني

أبطال المزرعة
كوفيد تسعة عشر

الفصل الخامس
( الذكريات )

بعد العشاء الذي كان خفيف حسب طلبي، استاذنا صديقي، للخلود إلى النوم فأنا من محبي النوم المبكر ومن عشاقه الساعة لم تتعد الثامنة والنصف مساء تقريبا ولكن في المزرعة تبدو الساعة

وكأنها الثانية صباحا ، المصابيح تعمل بالطاقة الشمسية خفيفة جدا وسط هذا الظلام الهائل وأيضا الزرع الكثيف وعلمت أنها مرات كثيرة لا تعمل

وهنا يستعين رواد المزرعة بضوء القمر خصوصا عندما تكون الليلة مقبرة

فذهبت بي الذكريات إلى (جعلان) عندما كنا صغارا نذهب زيارة ،غالبا أوقات الصيف أو مثلما نسميه (القيظ) كنا نجتمع خارج البيت ونلعب ألعابنا الشعبية، أمثال اكد الاستثمارية وأيضا حكاية جدتي

على ضوء( الفرن) نحن نسميه (سراج) واذا كانت ليلة قمرية كنا نطفئ الفرن نكتفي بضوء القمر.

وطبعا لأنني كنت صغير جدا لم أكن ألعب تلك الألعاب ولكن كنت أستمتع حكايات جدتي.

لقد عادت بي مزرعة الحرية إلى زمن الطفولة ، وبيت المعلم صالح الذي كان يدرس القرآن للأطفال

و بيته كان يبعد أمتار قليلة عن بيتنا الذي لم يبق من ذكرياته سوى الحصى ،فقد ذهبت الأرض وبقي الحصى، وأيضا بيت الشيخ عبدالله رحمه الله تعالى ،الذي كان أكبر بيت في الحي.

وربما في ذلك الوقت كان أجمل بيت!

كنا نجتمع بعد العشاء نلعب ،أولاد وفتيات ،اظن معظم قصص الحب بداياتها بدأت من خلال تلك الألعاب.

يا إلهي أنني أسبح في بحر من الذكريات وكأنها أمامي وفي الصباح الباكر كنا نحن الأطفال

 نذهب الى مزارع البلدة نقطف المانجو أو بالأحرى نرمي شجرة المانجو بالحصى فلما تسقط نذهب نأخذها، وبراءة الاطفال في أعيننا.

كانت الوالدة تقول لنا لا تذهبوا ناحية (خبة الموت) أهل جعلان يطلقون على الحفرة (خبة) ، ولأننا صغار ونحب أن نكتشف كل شي،فكنا نذهب الى ذلك المكان، المسمى (خبة الموت) اسم مرعب ولكن المكان جميل ،تحيط به أشجار المانجو والليمون من كل مكان ،وسبب تسميته بهذا الإسم المرعب ،هو أن سكان البلدة يغسلون الموتي هناك، ولكن في الأصل هو مسبح للنساء والرجال، تحاكي المسابح الدمشقية

وإن كانت تختلف عنها في التصميم ،وكنا نستمتع باللعب، ومرة جاء رجل، ملتحي وقصير، وعندما يتحدث كأن صوته فيه صدى، ركض أصدقائي الأطفال، خوفا منه، إلا أنا واستغرب الرجل لماذا لم أهرب مثل قراني، ووقفت أتأمل وجهه، لقد كان يشبه العم يجلس، ذلك العم الطيب وصديق الفتاة ريم ،التي كانت تبحث عن عائلتها في المسلسل الكرتوني الشهير. وأخذ الرجل يربت على شعري ويمسح على وجهي بحنيه ورحل ،وحينها سمعت صوت أمي ،وهي تصرخ تنادي اسمي ، وعندما وجدتني، لم تحضني.. بل صافحتني وقالت :ألا تعرف أن ذلك الرجل ساحر، وضحكت فلم أراه ساحر ،رأيت العم يجلس، فأنا أعرف أن السحرة لديهم مكانس يطيرون بها، وذلك الرجل كان يمشي على رجله، وكان يقول شعرا!!

الكل يناديني باسم(فايل) و لكن الحقيقة إن أسمي هو (فايل)

للوهلة الأولى يخيل للمرء أنه يقصد منه التفاؤل وهذا غير صحيح بتاتا 

الفايل بلهجة أهل جعلان هو شخص نجى من مكروه فيقال فأل فلان أي نجا فلان

ذلك أن حريق داهم بيتنا في ليلة مقبرة مثل هذه الليلة تمام، وكان في البلدة عرس والكل مشغول تفاشت النار في بيتنا، وكان عمري أقل من سنة أما إخوتي الصغار الأوغاد فقد تركوني وهربوا، ولم يخبروا أحد أن هناك مخلوق في الدار، إلا أمي حين علمت أنني بالداخل سكبت على نفسها الماء ودخلت جازفت بروحها ينقذني وهكذا أصبحت فأل من النار ، لكم أن تتخيلوا أن ذلك الطفل هو من يكتب الآن ذكرياته!!

الآن أتحدث عن الفيلا التي أقطن بها أظنها لا تقل فخامة عن بيت الضيافة لكن بمساحة أصغر لكنها جميلة وتأثيرها راقي وجميل وقيل لي أنها مخصصة للمدير العام صوت سراج الليل أو قنديل الليل تلك الحشرة التي تصدر صوت هو أقرب إلى الصفير الهادىء، يخبرك بقدوم الليل ليلهم الشعراء البوح

بما في جعبتهم من أشعار ،

نظرت من الشباك الخلفي إلى بيت الضيافة مبهور به، فهو في المساء وعلى ضوء القمر، وصوت سراج الليل، غاية في الجمال،كانت تتركز حوله الإنارة فهناك سبعة من المصابيح يحيطون به من كل جانب،

وهذا أعطاني دافع للدخول الى بيت الضيافة اكتشافه من الداخل !!

يتبع

كوفيد تسعة عشر

This site uses cookies to offer you a better browsing experience. By browsing this website, you agree to our use of cookies.
Verified by MonsterInsights